بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أما بعد.
فالحمد لله الذي أنعم علينا بالصيام، والقيام، وأسأله تعالى أن يجعلنا من الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقوله صلى الله عليه وسلم «من قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقوله عليه الصلاة والسلام «من قام ليلة القدر إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، فاللهم اجعلنا من المغفور لهم، إنك أنت السميع العليم.
وبعد.
فإن هذا الشهر الكريم – شهر رمضان – مدرسة إيمانية، يتزود منها المسلم بالتقوى، فإن الله شرع الصيام : لا ليجوع الناس، ولا ليظمأ الناس، وإنما ليحققوا التقوى، التي ذكرها الله تعالى في أول آيات الصيام فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
وذكر أهل العلم في تفسير قوله {لعلكم تتقون} قولان:
أحدهما: لعلكم تتقون ما حرم عليكم في الصيام ، من أكل الطعام، وشرب الشراب، ووطء النساء، وهو قول أبي جعفر الطبري .
والثاني: معناه أن الصوم سبب يؤول بصاحبه إلى تقوى الله ، لما فيه من كسر الشهوة، وإذهاب الأشر، وهو معنى قول الزجاج.
فتعلم المسلم من هذه المدرسة: الصبر، وضبط النفس، والتحكم في شهوات الطعام والشراب، وحفظ اللسان عن الخوض في أعراض الناس، والمحافظة على الصلوات في جماعة، بل وقبل النداء للصلاة ليتمكن من اغتنام وقته في قراءة القرآن، وقراءة القرآن ، وربما ختم القرآن في هذا الشهر مرات عديدة.
 وفيه الحث على الصدقة، فقد فرض الله في آخره زكاة الفطر، وفيه الشعور بالفقراء الذين لا يجدون ما يأكلون ولا يجدون ما يشربون، وهذا حال كثير من إخواننا في الصومال وفي غيرها من بلاد المسلمين، وفيه الانقطاع الليالي ذوات العدد في التسبيح والتحميد والتكبير والإكثار من الصلوات وهذا في اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، وفيه استشعار متابعة النبي في تحري ليلة القدر ، وفيه اغتنام الطاعات، والشعور بمسابقة الخيرات التي أمرنا الله تعالى بها طوال العمر، وغير ذلك كثير من الفوائد التي يشعر بها المسلم في هذا الشهر.
لذلك فإن هذا الشهر يعرف به المسلم أنه قوي على الطاعة، قوي على الصبر والتصبر، قوي في مدافعة نفسه ومنعها من الوقوع في المنكرات، وإلزامها الطاعة ليلا ونهارا.
- لذلك كثير من الناس توهمه نفسه أنه لا يستطيع الصيام، فتراه لا يصوم طوال العام شيء غير رمضان بحجة أنه لا يقوى على الصيام، ففي هذا الشهر يتبين له أنه قادر على الصيام، وذلك بصيامه ثلاثين يوماً.
كثير من الناس ربما يثقل عليه ختم القرآن، ويوهم نفسه بأنه لا يستطيع ، وهو عليه شاق، لكن في رمضان تجده ختم القرآن في ثلاثين يوماً ربما أكثر من مرة.

كثير من الناس ربما يثقل عليه الصدقة والإحسان إلى الفقراء والمساكين،ويشعر بأنه فقير ومستحق للصدقة، ففي هذا الشهر يفرض الله عليه زكاة الفطر عن نفسه وعن من تلزمه نفقته.
كثير من الناس ربما يثقل عليه قيام الليل، ويظن أن وقته ضيق ولا يسع لقيام الليل، ولكن في رمضان تجده يقيم الشهر كاملاً بصلاة التراويح، وليس هذا فحسب بل ربما يدرك التهجد مع الإمام إلى قرب الفجر.
لذلك ينبغي على المسلم أن يغتنم هذه القوة والقدرة على الطاعة بفضل الله طوال العام، لأن رب رمضان هو رب شوال ورب سائر العام.
لذلك المسلم يكون رباني لا يكون رمضاني.
قال تعالى مخاطبا أمة الإسلام في شخص نبيها صلى الله عليه وسلم بقوله { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}
واليقين هو الموت الذي لا محيد عنه، قاله الحسن ومجاهد وقتادة.
وفي "صحيح مسلم" عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أحب إلى الله؟ قال:«أدومه وإن قل»
فالعمل وإن كان قليلاً دائماً هو أحب إلى الله تعالى من العمل الكثير المتقطع.
فاحرصوا عباد الله على اغتنام أعماركم في طاعة ربكم، وطلب مرضاته، وسؤاله أن يوفقكم لكل ما يحبه ويرضاه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يدعو الله بقوله « يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك».
وأخرج أحمد في "مسنده" بإسناد صحيح لغيره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:«إذا أراد الله عز و جل بعبد خيراً عسله» قيل: وما عسله؟ قال:» يفتح الله عز و جل له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه».
لذلك ينبغي أن يحرص المسلم أن يكون سائر يوما في طاعة، فإنه لا يدري بأي عمل يختم له.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، إنه جواد كريم بر رحيم.